كثيراً ما يجد القرّاء مصطلح الذهب الأسود عند البحث في مواضيع الطاقة والثروات الباطنية، وقد يجد البعض صعوبة في فهم هذا المصطلح أو الأسباب التي دعت إلى هذه التسمية؟ وفي ظل الحديث عن الذهب الأسود من المفيد التطرق إلى إحدى الدول التي كانت هذه الثروة سبب في أطماع كثير من الدول الاستعمارية حتى وقتنا هذا، فما هو الذهب الأسود الضائع في سورية، هذا البلد الذي يمتلك مخزون احتياطي كبير من هذه الثروة، بيد أنه لا يستفيد منها حالياً.
ما هو الذهب الأسود وما هو تاريخه:
يشير مصطلح الذهب الأسود في الواقع إلى النفط أو البترول وفقاً للتسميات غير الرسمية، حيث أن للون الذي يملكه حين خروجه من باطن الأرض وهو اللون الأسود نصيب من سبب التسمية، أما وصفه بالذهب فإن ذلك يعود إلى قيمته المرتفعة سواءً المادية بمعنى سعره، أو بسبب أهميته للنظام المالي والاقتصادي على المستوى المحلي في الدول المنتجة له أو على المستوى العالمي كونه يشكل مصدر الطاقة الأساسي لمختلف الجوانب التي تمثل حوامل هذا النظام المالي العالمي.
في الواقع فإن أول اكتشاف نفطي في العالم كان عام 1859 في الولايات المتحدة الأمريكية وتحديداً في مدينة تيتوسفيل، حين قام قائد السكك الحديدية المتقاعد أدوين درايك بحفر بئر بالقرب من المدينة، وذلك باستخدام حفارة بدائية نوعاً ما تعمل بواسطة محرك بخار قديم.
وبالتالي أصبح اكتشاف الذهب الأسود (البترول) من أهم الاكتشافات في العالم حيث كان له الدور الكبير في نقل العملية الإنتاجية من خلال الآلات وقطاع النقل وغيرها من القطاعات الحيوية في أي اقتصاد من خلال توفير الطاقة اللازمة لعمليات التشغيل والإنتاج، فضلاً عن الفوائض المالية المتحققة في الدول التي ظهر لديها الذهب الأسود، الأمر الذي ساهم في تحسين النمو الاقتصادي لديها ومن ثم البدء بعملية التنمية الاقتصادية.
ما هو الذهب الأسود في سورية بين التاريخ والوقائع:
تم انشاء وزارة النفط والثروة المعدنية في سورية في 26/10/1966 بالمرسوم التشريعي رقم 139، إلا أن أعمال التنقيب عن النفط (الذهب الأسود) بدء قبل ذلك التاريخ بكثير، حيث تعود أعمال التنقيب إلى فترة الانتداب الفرنسي وذلك في عام 1933، فما هو الذهب الأسود في سورية وما حجم الإنتاج وماهي الحقول المنتجة له؟
في الواقع بدأ الإنتاج الفعلي للذهب الأسود (النفط) في سورية في عام 1986 وذلك في منطقة تل عدس في محافظة الحسكة بعد أن تم انشاء أول محطة ضخ، حيث قامت هذه المحطة بضخ أول كمية من الحقل في ذات العام إلى ميناء طرطوس، وبذلك دخلت سورية سجل الدول المصدرة للنفط قبل ما يزيد عن خمسين عام.
يقدر الاحتياطي النفطي في سورية وفق للأرقام غير الرسمية بحوالي 2.5 مليار برميل، حسب موقع أويل برايسيز البريطاني المتخصص بأخبار النفط والطاقة.
وتشير الأرقام إلى أنه وفي عام 2010 بلغ انتاج سورية من الذهب الأسود (النفط) 386 ألف برميل يومياً، مع الإشارة إلى أن أكثر من 75% من هذا الذهب الأسود السوري في المنطقة الشرقية من سورية، ففي دير الزور يوجد حقل العمر قرب منطقة البصيرة وهو أكبر الحقول وأشهرها في سورية، كما يوجد حقل التنك شرق دير الزور، حقول التيم والورد جنوب شرق دير الزور، حيث تنتج هذه الحقول حوالي 50 ألف برميل نفط (ذهب أسود) يومياً، دون أن ننسى حقل كونيكو الضخم بالحجم والإنتاج من الغاز
أما في الحسكة فتتواجد حقول الرميلان والتي تضم 1233 بئر، فضلا عن 25 بئر من الغاز الطبيعي، حيث يزيد انتاجها عن 90 ألف برميل يومياً، حقول السويدية التي تنتج حوالي 116 ألف برميل يومياً، حقول الشدادي والجبِسة والهول، حيث تنتج حوالي 30 ألف برميل يومياً، حقل اليوسفية الذي ينتج 1200 ألف برميل يومياً.
أما في حمص فيتواجد فيها حقول: حقل حيان الذي ينتج 6 آلاف برميل يومياً، كما يتواجد حقل جزل الذي ينتج حوالي 3 آلاف برميل يومياً، فضلاً عن حقول جحار والمُهر والشاعر شرقي حمص.
اقرأ أيضا: “العملات الرقمية من أفضل طرق الربح من الانترنت في 2022“
وبالخوض في تفاصيل بعض الحقول نجد أنه أن حقل كونيكو وحسب جيفري ساتشس الخبير الاقتصادي الأمريكي والمحاضر في جامعة كولوبيا أن هذا الحقل يكفي لسد حاجة 20 مليون انسان من الغاز المنزلي حيث ينتج حوالي 13 مليون متر مكعب يومياً من الغاز الطبيعي ويعود تسمية هذا الحقل بهذا الاسم إلى اسم الشركة التي تم انشاءها لبناء هذا الحقل.
أما حقل الشاعر في حمص فإنه قادر على سد حاجة سورية كاملة من الغاز، ويفيض عنه ما يمكن تصديره، في حين يستطيع حقل جبسة في ريف الحسكة يستطيع توليد الكهرباء من عنفات الغاز الموجود فيه نظراً لشدة تدفق الغاز من هذا الحقل، كما أن حقل العمر الذي يعتبر من أكبر حقول الذهب الأسود (النفط) في الشرق الأوسط.
وبالعودة إلى حقل التنك في دير الزور نجد أن الذهب الأسود (النفط) ينبع منه بشكل تلقائي بحيث يصل ارتفاع هذا التدفق إلى ما يزيد عن عشرة أمتار في الهواء ما يشير إلى حجم الغزارة في هذا الحقل، وانخفاض تكلفة استخراجه، في حين نجد أن حقل كبيبة في محافظة الحسكة يتدفق فيه النفط بطريقة غزيرة لدرجة أن الخبراء والعاملين في الحقل فتح ضغط المضخات في هذا الحقل بشكل يزيد عن 50% من طاقتها خوفاً انفجارها نتيجة الضغط العالي لغزارة تدفق النفط فيه.
وقد عملت العديد من الشركات النفطية الأوروبية في سورية أشهرها شركة شيل الهولندية وبيترو كندا، وفي الحقيقة فإنه وحسب جيفري ساتشس أيضاً فإن الموارد من الذهب الأسود في سورية تكفي لأن يعيش في سورية حوالي 80 مليون شخص وبدخل يعادل دخل الفرد في هولندا وبلجيكا أو الدول الاسكندنافية،
ما هو الذهب الأسود الضائع في سورية بعد الأزمة:
لاحقاً لبدء الأزمة في سورية بدأ الحديث وبشكل كبير عن هذه الحقول من الذهب الأسود وما هو الذهب الأسود هذا في سورية وعن حقول لم تكن معروفة، وبدأت المناطق التي تتواجد فيها هذه الحقول بالخروج عن سيطرة الدول بطريقة مخطط لها دون أن يتنبّه البعض ممن ساهموا بذلك لتلك الخطة المدروسة، وفي مرحلة مبكرة من الأزمة لاحظ الكثير انخفاض حجم الإنتاج السورية من الذهب الأسود (النفط)، حيث وصلنا في عام 2014 لمرحلة نستطيع القول فيها أن انتاج الدولة السورية من المناطق التي تقع تحت سيطرتها من النفط يبلغ صفر برميل، حيث كانت النتيجة النهائية لهذا الأمر سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على معظم هذه الآبار وسرقة هذه الثروات من الشعب السوري، فما هو الذهب الأسود الضائع أو المسوق فعلياً في سورية؟
في الواقع يمكن القول أن الولايات المتحدة الأمريكية استطاعت سرقة معظم إن لم نقل كل الذهب الأسود في سورية عن طريق وكلائها بداية ومن ثم من خلال قواتها بشكل مباشر، ولم يخفي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ذلك حين قال أما مناصريه في خطاب علني في ولاية ميسيسبي في الأول من تشرين الثاني من عام 2019 “ليس علينا الدفاع عن الحدود بين تركيا وسورية، ولكن ما فعلناه نحن هو الاحتفاظ بالنفط”.
وقد استطاعت الدولة السورية استعادة بعض الحقول وخاصة في محافظة حمص، إلا أن الحجم الأكبر للذهب الأسود (النفط) كما أشرنا يقع في المناطق الشرقية من سورية، ومن هنا نرى سبب تمسك الولايات المتحدة بمنطقة شرق الفرات حيث تضم هذه المناطق معظم حقول النفط والغاز في سورية فإن السؤال ما هو الذهب الأسود الضائع في سورية، تكون إجابته هي أنه ذاته الذهب الأسود المسروق من الدولة السورية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ووكلاءها في تلك المنطقة، هذه السرقة التي سببت في معاناة معظم إن لم يكن كل أفراد الشعب السوري، من حيث ارتفاع أسعار الطاقة وغياب الكهرباء وانعكاسات ذلك على أسعار المنتجات والخدمات والنقل وكل جوانب المعيشة للمواطن السوري.
إن عودة هذه الثروات إلى الدولة السورية واستغلالها بالشكل الأمثل إنما سيؤدي إلى التخفيف من هذه المعاناة التي يعيشها المواطن السوري، فضلاً عن الاستغلال الأمثل لباقي الثروات الباطنية التي تملكها سورية، فهل يكون ذلك في تاريخ قريب؟ ذلك مرهون بالعديد من المؤشرات السياسية والعسكرية، والتي ستنعكس اقتصادياً بشكل كبير في حال عودة الذهب الأسود الضائع واستغلاله بالشكل الأمثل من قبل السلطات المسؤولة عن ذلك في سورية بعيداً عن أي هدر أو فساد.
Comments are closed.