تعتبر وظائف المصارف التجارية من أهم الأدوات التي تستخدمها السياسة النقدية ومن خلفها السياسة الاقتصادية في أي اقتصاد، لما لها من دور كبير في التأثير على عديد المؤشرات الاقتصادية وتوجيه هذه المؤشرات بالشكل الذي يتلاءم مع أهداف السياسة الاقتصادية للبلد.
ومن هنا لابد من التعرف على وظائف المصارف التجارية التقليدية منها والحديثة لمعرفة دورها الاقتصادي وفق الآتي:
وظائف المصارف التجارية التقليدية:
نشأت هذه الوظائف مع نشوء المصارف التجارية، وتعتبر الأعمال الرئيسة التي تقوم بها هذه المصارف ومن أهم وظائف المصارف التجارية والتي تصنف بالكلاسيكية أو التقليدية ما يلي:
قبول الودائع:
يعتبر قبول الودائع من وظائف المصارف التجارية التي ظهرت بظهورها، وكانت أول عمل في صناعة الصيرفة، وقد تطورت هذه الوظيفة مع تطور مفهوم المصارف، حيث بات هناك عديد الأنواع من الودائع المصرفية.
فالودائع تحت الطلب، والتي يقوم عملاء المصرف بإيداعها لديه يمكنهم السحب من هذه الوديعة دون إخطار مسبق للمصرف، وبالتالي يكون المصرف بمثابة الضامن لهذا النوع من الودائع ولا يمنح أصحاب هذه الودائع فوائد عليها وفقاً لأغلب القوانين المصرفية حول العالم.
أما الودائع لأجل، فإنها من أشكال الودائع التي تطورت مع تطور مفهوم المصارف وبالتالي هذا النوع من وظائف المصارف التجارية، حيث يختلف أجل كل نوع من أنواع الودائع لأجل (شهر، ثلاثة أشهر، ستة أشهر، سنة، أكثر من سنة)، ويطبق على كل نوع من هذه الأنواع سعر فائدة مختلف.
كما يوجد ودائع الادخار أو ما يعرف بحسابات التوفير، وهي تلك الودائع التي تكون لآجال طويلة ويستحق عنها المودع فائدة سنوية توزع كل نصف سنة ويحق للعميل أو المودع السحب من هذه الوديعة، بعكس الودائع لأجل، دون أن يفقد حقه في الفائدة، إلا أن المصرف إما أن يأخذ متوسط الرصيد الدائن للوديعة خلال الفترة أو أن يأخذ أقل رصيد دائن للوديعة خلال الفترة عند حساب الفائدة.
ومع تطور الصناعة المصرفية تطورت وظائف المصارف التجارية ولاسيما وظيفة قبول الودائع، حيث ظهرت الودائع المتخصصة لأغراض معينة، أو ودائع خدمات الدفع الالكتروني أو ودائع أفراد محددين من المجتمع (المرأة، الأطفال) والتي تكون بميزات معينة، وكل ذلك بهدف جذب مزيد من الودائع للمصرف.
منح الائتمان المصرفي:
تعتبر عملية منح الائتمان المصرفي من وظائف المصارف التجارية الأساسية في تحقيق الأرباح التشغيلية للمصرف، والتي تستند أساساً إلى وظيفة قبول الودائع، ذلك أن المصرف إنما يقوم بخلق النقود من خلال عملية منح الائتمان المصرفي مستنداً إلى الودائع التي قبلها.
وفي هذا الصدد يقوم المصرف بتوفيق آجال المنح مع آجال الودائع، بمعنى أن المصرف لا يمكنه منح ائتمان مصرفي (تسهيل ائتماني) طويل الأجل من ودائع تحت الطلب، أو أن يقوم بمنح تسهيل ائتماني طويل الأجل من ودائع لآجل شهر.
وتتم عملية التوفيق هذه من خلال دراسات إحصائية حول حجم السحب من الودائع وتوقيته من جهة، وآجال الأقساط المستحقة من التسهيلات الائتمانية الممنوحة وحجمها، وباتت المصارف في وقتنا الحاضر تملك الأدوات والخبرة الكافية للقيام بعملية التوفيق هذه.
وبطبيعة الحال فإن وظائف المصارف التجارية إنما تستهدف أساساً تحقيق الأرباح، والتي تتحقق من خلال الحصول على سعر فائدة على التسهيلات الائتمانية يفوق سعر الفائدة التي يدفه المصرف على الودائع، والفرق بين هو ما يشار إليه بالأرباح التشغيلية للمصارف التجارية بعد خصم باقي التكاليف الإدارية والتشغيلية.
الاستثمارات:
وهي من وظائف المصارف التجارية التي نشأت مع تطور أسواق المال والبورصات، حيث باتت المصارف التجارية تقوم بعملية الاستثمار في الأوراق المالية (أسهم، سندات، مشتقات مالية)، بهدف تحقيق مزيد من الأرباح من خلال هذه الاستثمارات من جهة، والمساهمة في انشاء المشاريع الاستثمارية من جهة أخرى.
وباتت المصارف التجارية تملك الكوادر المؤهلة للقيام بإدارة المحافظ المالية بكفاءة عالية، بحيث تستطيع تحقيق أعلى عائد بأقل درجة من المخاطر.
اقرأ أيضاً مفهوم المصارف التجارية النشأة والتكوين والأهمية
وظائف المصارف التجارية الحديثة:
ساهمت تطور العلاقات الاقتصادية من جهة، وتحرر التجارة العالمية وتطور وسائل الاتصال من جهة أخرى، في خلق مزيد من وظائف المصارف التجارية التي تطورت بفعل ذلك، حيث باتت المصارف التجارية محرك أساسي في أي اقتصاد وطني، فضلاً عن الاقتصاد العالمي بشكل عام من خلال حركات رؤوس الأموال وتوفير الأدوات اللازمة لمساندة الشركات متعددة الجنسيات.
فضلاً عما تقوم به هذه المصارف على المستوى الوطني من توفير التمويل اللازم للاستثمار وتوجيهه بما يخدم المصلحة الاقتصادية الوطنية، ونستطيع أن نذكر من هذه الوظائف الحديثة ما يلي:
الاستشارة المالية ودراسة الجدوى الاقتصادية وإدارة الأعمال والممتلكات:
نظراً لما باتت تتمتع به المصارف التجارية من خبرة في إدارة الأمور المالية وإجراء الدراسات الاقتصادية، فقد أصبحت موضع ثقة لدى الجمهور، وهو ما أدى إلى تطور وظائف المصارف التجارية إلى وظيفة تقديم الاستشارات المالية وإدارة الممتلكات والأعمال لعملائها، مقابل عمولات تتحصل عليها لقاء مثل هذه الخدمات.
حيث يلجأ عملاء المصارف التجارية إلى مصرفهم لأخذ مثل هذه الاستشارات أو للحصول على دراسة جدوى اقتصادية حول مشروع يرغبون بتنفيذه، وقد يقوم المصرف بمنح تسهيل ائتماني لتمويل هذا المشروع.
أداة السياسة النقدية لتنفيذ سياسة توسعية أو انكماشية:
حيث تستخدم السلطات النقدية المصارف التجارية لزيادة المعروض النقدي أو تقليصه، وبالتالي باتت وظائف المصارف التجارية تمتد إلى تنفيذ السياسة النقدية المرغوبة من قبل السلطات النقدية.
حيث يتم زيادة التسهيلات الائتمانية عند الرغبة باتباع سياسة توسعية مما يؤدي إلى زيادة المعروض النقدي في الاقتصاد، من خلال عمليات خلق النقود التي تقوم بها المصارف التجارية من خلال منح القروض، حيث يتم اتباع مثل هذه السياسة في حال الركود
وبالمقابل يتم زيادة القيود على التسهيلات الائتمانية وبالتالي تخفيضها وتخفيض المعروض النقدي كسياسة انكماشية، حيث يتم اتباع مثل هذه السياسة في حال ارتفاع التضخم، حيث تستخدم السلطات النقدية بعض أدواتها النقدية في سبيل تنفيذ السياسة النقدية المرغوبة (الاحتياطي الالزامي، سعر الفائدة، سعر الخصم، التوجيه للمصارف).
تمويل عمليات التبادل التجاري:
تعتبر هذه الوظيفة من وظائف المصارف التجارية القديمة، إلا أن أسلوب تنفيذ هذه الوظيفة تتطور بتطور وسائل الاتصال وتحرر التجارة العالمية، حيث تستخدم المصارف في سبيل ذلك الاعتمادات المستندية كأداة تمويلية بين المستورد والمصدر، وذلك من خلال المصارف المراسلة لها في الخارج، وهي مصارف تجارية في دول أخرى يكون بينهما تعاملات وحسابات مشتركة لتسهيل مثل هذه التبادلات التجارية.
التحويلات المالية والخدمات المصرفية الالكترونية:
وهي خدمات ظهرت بظهور التكنولوجية الحديثة، حيث باتت وظائف المصارف التجارية تمتد إلى تسديد المدفوعات عن عملائها، فضلاً إجراء التحويلات المالية داخل وخارج الاقتصاد الوطني، ناهيك عن الخدمات الالكترونية التي تقدمها المصارف التجارية (بنك الانترنت، بطاقات الائتمان، التسديد الالكتروني باستخدام الهاتف النقال… إلخ).
للمزيد حول How Do Commercial Banks Work
محرك للنمو والتنمية الاقتصادية:
نظراً للدور الكبير التي باتت المصارف التجارية تقوم به على مستوى الاقتصاد، فقد امتد وظائف المصارف التجارية إلى المساهمة في تحقيق النمو والتنمية الاقتصادية، من خلال توجيه الائتمان إلى قطاعات بعينها (الإنتاجية وتجارية) وحجبها عن قطاعات أخرى (استهلاكية أو كمالية)، أو خلق مزيج من الائتمان يسهم في تحقيق النمو الاقتصادي المرجو.
فضلاً عن زيادة الائتمان باتجاه قطاع بعينه (تعليم، صحة…إلخ) بما يسهم في زيادة التنمية الاقتصادية.
للمزيد حول أعمال المصارف التجارية من هنا
وعليه يمكن القول إن المصارف التجارية كانت حاجة ضرورية عند بدء ظهورها وكانت وظائف المصارف التجارية تقتصر على الحاجة التي أُنشأت لأجلها، إلا أنه ومع تطور المجتمعات والحاجات الاقتصادية ووسائل الاتصال والتكنولوجية ظهرت وظائف المصارف التجارية التي تلبي هذا التطور والحاجات الجديدة.
حتى أصبحت المصارف التجارية حاجة ملحة في أي اقتصاد وأداة فعّالة بيد السلطات النقدية لتنفيذ السياسة النقدية التي ترغب بها، فضلاً عن دورها الكبير في المساهمة بتحقيق السياسة الاقتصادية الكلية من خلال ما تقدمه من وظائف وخدمات.