أسباب التضخم الاقتصادي

أسباب التضخم الاقتصادي وتفسيرات النظريات الاقتصادية للظاهرة

الاقتصاد والمال

تختلف النظريات الاقتصادية في تفسيرها لمصدر القوى التضخمية الدافعة إلى الارتفاع المتواصل للأسعار، كتفسير لأسباب التضخم الاقتصادي، فتركز كل منها على مصدر تعتبره أساسيا في خلق هذه القوى التضخمية.

وللتعرف على المصادر المختلفة للقوى التضخمية نعرض وإياكم بإيجاز من ناحية أكاديمية النظريات المتنافسة في مجال تفسيرها لظاهرة التضخم.

اقرأ أيضا معنى التضخم الاقتصادي

نظرية كمية النقود كمفسر لأسباب التضخم الاقتصادي:

تعتبر هذه النظرية من أولى النظريات التي حاولت تفسير وتحديد أسباب التضخم الاقتصادي والمستوى العام للأسعار وما يحدث فيه من تقلبات، فالنظرية الكمية طبقاً لفيشر وفي إطار معادلة التبادل MV=PT تنص مع ثبات حجم المعاملات T وسرعة دورانها V ومع تحقق مجموعة من الافتراضات الضمنية والظاهرة في معادلة التبادل، أن زيادة كمية النقود M بنسبة معينة يترتب عليها ارتفاع المستوى العام للأسعار P بنفس النسبة.

وعليه فطبقاً لمنطق هذه النظرية وعلى افتراض تحقق افتراضاتها فإن أي زيادة في كمية النقود تخلق ضغطاً تضخميا.

وبالتالي يعتبر العامل النقدي العامل الحاسم في تفسير أسباب التضخم الاقتصادي بالاستناد إلى النظرية الكمية للنقود.

أسباب التضخم الاقتصادي وتفسيرات النظريات الاقتصادية للظاهرة
أسباب التضخم الاقتصادي

النظرية الكينزية كمفسر لأسباب التضخم الاقتصادي:

في الواقع فإن تحليل كينز عن التضخم قد استند إلى التقلبات التي تحدث في العرض الكلي من ناحية، وبين الطلب الكلي (المكون من الاستهلاك والاستثمار والانفاق الحكومي) من ناحية أخرى.

وقد استعان بفكرة “المضاعف” و”المعجل” في شرح الآليات التي يظهر بها التضخم في الاقتصاد القومي، وذلك بدلاً من التقلبات التي تحدث في كمية النقود التي استند عليها الاقتصاديون الكلاسيك في تفسيرهم لأسباب التضخم الاقتصادي.

وقد ميّز اللورد جون ماينر كينز بين حالة ما قبل التشغيل الكامل وحالة ما بعد الوصول إلى هذه المرحلة، وذلك عند شرح أسباب التضخم الاقتصادي

أما عن الحالة الأولى: اعتقد كينز بأن الزيادة التي تحدث في الطلب الكلي الفعال ستنجح في إحداث زيادة مناظرة في عرض السلع والخدمات، إذ تؤدي زيادة الطلب الكلي الفعال إلى زيادة في حركة المبيعات، ومن ثم زيادة في أرباح المنتجين، مما يغريهم على زيادة تشغيل طاقاتهم الانتاجية المعطلة.

ومن ثم ليس من المتوقع أن تأتي الزيادة في حجم الطلب الفعّال مصحوبة بزيادة محسوسة في الأسعار، ومع ذلك، فقد أشار كينز، إلى أنه ما ان تسير عجلة التوظف للأمام، وتستغل الطاقات العاطلة، وتوظف الأيدي العاملة غير المستخدمة، فإنه من المتوقع أن تبدأ الاتجاهات التضخمية في الظهور حتى ولو لم يكن الاقتصاد القومي قد وصل إلى مرحلة التوظف الكامل.

وهذا النوع من التضخم الذي يظهر قبل وصول الاقتصاد القومي إلى مرحلة التوظف الكامل أطلق عليه كينز مصطلح “التضخم الجزئي” وهو ينشأ في رأيه نتيجة للعوامل الآتية:

  1. ظهور بعض الاختناقات في عناصر الإنتاج.
  2. ضغط نقابات العمال لزيادة الأجور على نحو أكبر من زيادة الإنتاجية.
  3. وجود بعض الميول الاحتكارية في بعض فروع الاقتصاد القومي.

والتضخم الجزئي قد اعتبره كينز حافزاً على زيادة الإنتاج، ولذا قد تعمل السلطات النقدية في أوقات الكساد الدوري على خلقه بغية تحقيق أكبر قدر من التوظف.

أما في الحالة الثانية: حيث تكون الأجهزة الإنتاجية والموارد الاقتصادية قد وصلت إلى أقصى طاقتها في الإنتاج، ففي حال حدوث زيادة في الطلب الكلي، فإن الزيادة لن تنجح في إحداث زيادة مناظرة في العرض الحقيقي للسلع والخدمات، ذلك أن مرونة عرض السلع والخدمات تبلغ الصفر تماما عند منطقة التوظف الكامل.

ولهذا فإن الزيادة التي حدثت في حجم الطلب الكلي الفعال تؤدي إلى ارتفاعات تضخمية في الأسعار.

إلا أن أن كينز يرى، أنه ليس من الضروري أن تؤدي زيادة كمية النقود بعد الوصول إلى التوظف الكامل ارتفاع في المستوى العام للأسعار.

فقد يصاحب الزيادة في كمية النقود، زيادة مناظرة في ميل الأفراد للاكتناز (الادخار) بحيث لا يؤدي ذلك إلى زيادة في حجم الطلب الفعال.

من هنا أشار كينز إلى أن التغير في كمية النقود لا يعتبر عنصراً حاسماً في تحديد المستوى العام للأسعار، على عكس ما تقرر في نظرية كمية النقود الكلاسيكية في تفسيرها لأسباب التضخم الاقتصادي.

ركّز كينز على القوى التي تحدد مستوى الدخل، حيث وجد أنه مع تزايد الدخل القومي يزداد الميل للادخار، وبالتالي ينقص الميل للاستهلاك، وفي الوقت نفسه ينخفض معدل الكفاية الحدية لرأس المال، وبالتالي ينقص الميل للاستثمار، ومن هنا تلوح في الأفق مشاكل عدم التوازن بين الادخار والاستثمار، وتظهر مشاكل البطالة والركود والكساد.

وللخروج من هذه الصورة غير المستقرة، يرى كينز بضرورة التدخل للتأثير في حجم الطلب الكلي الفعال.

ذلك أن الدولة هي الجهاز الوحيد القادر على تحقيق هذا التأثير، وعليه، فقد دعا إلى ضرورة خفض سعر الفائدة وزيادة الإنفاق الحكومي (الاستهلاكي والاستثماري) وتخفيض الضرائب، في فترة الأزمة حتى يرتفع حجم الطلب الكلي الفعال. كما طالب بعكس ذلك حينما يصل النظام إلى مرحلة التوظف الكامل وتلوح في الأفق مخاطر التضخم.

النظرية المعاصرة لكمية النقود كمفسر لأسباب التضخم الاقتصادي:

أعادت مدرسة شيكاغو بزعامة الاقتصادي ميلتون فريدمان نظرية الكمية  إلى الحياة ولكن في صورة جديدة، حيث تنظر هذه النظرية إلى التضخم على أنه ظاهرة نقدية بحتة وأن مصدره الرئيسي هو نمو كمية النقود بسرعة أكبر من نمو الإنتاج.

وحسب النقديين فإن أي زيادة في عرض النقد تتسبب في زيادة الناتج ومستوى الأسعار في الفترة القصيرة، بينما تؤدي في الفترة الطويلة إلى التأثير في مستوى الأسعار.

لذا فإن فريدمان يعتقد بأن معدل النمو الطويل الأجل للناتج يتحدد بالعوامل الحقيقية مثل معدل الادخار وهيكل الصناعة، ومن ثم فإن الزيادة السريعة في عرض النقد تسبب في ارتفاع معدلات التضخم وليس في ارتفاع معدل النمو في الناتج.

ويرى فريدمان أن ضبط معدل التغير الاتجاهي في الدخل القومي الحقيقي مع الأخذ في الاعتبار معدل التغير الاتجاهي في سرعة دوران النقود أو الطلب على الاحتفاظ بها شرطاً أساسياً لتحقيق الاستقرار في مستوى الدخل النقدي، وبالتالي الاستقرار في المستوى العام للأسعار، وهذا يعني عودة إلى الاهتمام بالسياسة النقدية.

 النظرية الهيكلية كمفسر لأسباب التضخم الاقتصادي:

تحاول هذه النظرية المنسوبة إلى المدرسة الهيكلية أو البنائية التي يتزعمها الاقتصادي (راؤول بريش- من أمريكا اللاتينية ) تفسير أسباب التضخم الاقتصادي في البلدان النامية من خلال تحليل الخلل في مكونات كل من الطلب الكلي والعرض الكلي وعلاقة ذلك باتجاهات البلدان التي تتعرض للتضخم بسبب الاختلال الهيكلي في بنائها الاقتصادي.

لان المشكلة التضخمية يمكن أن تنشأ في هذه البلدان حتى في ظل عدم تزايد حجم الطلب الكلي لأن الأسباب الرئيسة بحسب هذه النظرية ترجع إلى اختلالات فعلية حقيقية في هيكل الاقتصاد الوطني وبكيفية توزيع الموارد الاقتصادية و استغلالها وان أهم مظاهر الاختلال الاقتصادي هذه تنحصر في الجوانب الآتية :

  1. الطبيعة الهيكلية للتخصص في انتاج المواد الأولية، والآثار التضخمية المترتبة على ذلك.
  2. الجمود النسبي في الجهاز المالي للبلدان النامية، مما يترتب عليه ضعف الجهاز الضريبي وانخفاض كفاءته، مما يستوجب الاتجاه نحو تمويل الإنفاق العام بواسطة أسلوب عجز الموازنة أو أسلوب الإصدار النقدي الجديد (الأسلوب التضخمي في تمويل عجز الموازنة ).
  3. ضآلة مرونة عرض المنتجات الغذائية في ظل الزيادة السكانية وتواضع القدرة التصديرية للمنتجات الوطنية من هذه السلع وغيرها من السلع الأخرى التي يمكن أن توفر حصيلة مناسبة من النقد الأجنبي.

تفسير أسباب التضخم الاقتصادي من وجهة نظر الاقتصاد الحقيقي:

يمكن أن يتم تحليل التضخم إما باستخدام النموذج النقدي أو النموذج الحقيقي. للمزيد من أسباب التضخم الاقتصادي من هنا

  • التحليل النقدي: والذي يستند بشكل أساسي إلى النظرية الكمية للنقود والتي تركز على العلاقة بين التضخم والنمو في العرض النقدي.
  • النموذج الحقيقي: يستند هذا النموذج في تفسير سلوك الأسعار إلى عنصرين رئيسيين هما:
  • التضخم الناجم عن جذب الطلب (Demand Pull Inflation):
  • التضخم الناجم عن دفع التكاليف (Cost Push Inflation):

التضخم الناجم عن جذب الطلب:

يعرف تضخم جذب الطلب بأنه التضخم الناجم عن الارتفاع في الطلب الكلي، والذي يتكون من الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري الخاص إضافةً إلى إنفاق الحكومي بشقيه الجاري والاستثماري.

إن زيادة الطلب الكلي يمكن أن ينجم عن مجموعة عوامل:

  1. الزيادة في الكمية المعروضة من النقد.
  2. الزيادة في الإنفاق الحكومي.
  3. الزيادة في الصادرات

إن زيادة الطلب الكلي الناجمة عن أحد الأسباب السابقة سوف تؤدي إلى انتقال منحنى الطلب الكلي إلى الأعلى، وعلى المدى القصير وفي ظل بقاء مستوى العرض الكلي عند مستواه التوازني فإن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار.

في هذه الحالة فإن هذا الارتفاع سوف يؤدي إلى ارتفاع الأسعار لمرة واحدة وهذا لا يعني حدوث التضخم بالضرورة.

ولكن زيادات مستمرة وهذا لا يمكن أن يحدث إلا في ظل حدوث زيادة مستمرة في كمية النقود المعروضة ” وهذا ما يؤيد وجهة نظر النقديين”.

ويمكن توضيح ذلك بيانيا كما يلي:

أسباب التضخم الاقتصادي وتفسيرات النظريات الاقتصادية للظاهرة
التضخم الناتج عن جذب الطلب

بفرض أن الاقتصاد يعمل عند النقطة A فإن ارتفاع حجم الطلب الكلي الناجم عن أحد الأسباب السابقة سيؤدي إلى انتقال منحني الطلب الكلي AD1 إلى اليمين إلى AD2 وهذا ما سيؤدي إلى انتقال الناتج الكلي من مستواه التوازني إلى مستوى جديد وإلى ارتفاع المستوى العام للأسعار على المحور العامودي، إن ارتفاع المستوى العام للأسعار السابق لا يمكن تسميته بالتضخم وذلك كونه حدث مرة واحدة.

إن استجابة الأجور لارتفاع المستوى العام للأسعار، سوف تؤدي إلى انتقال منحنى العرض الكلي نحو اليسار نتيجة لارتفاع تكاليف العمالة ما يؤدي إلى حدوث انخفاض في حجم الناتج يترافق مع ارتفاع في المستوى العام للأسعار.

إن ارتفاع حجم الطلب الكلي لتحفيز الناتج الناجم عن استجابة كل من السياسة النقدية والمالية سوف تؤدي إلى انتقالات أخرى في منحنى الطلب الكلي وهذا ما سينجم عنه ارتفاعات أخرى في المستوى العام للأسعار.

التضخم الناجم عن دفع التكاليف:

يعرف تضخم دفع التكلفة بأنه التضخم الناجم عن ارتفاع كلفة مدخلات عملية الإنتاج، وهذه الزيادة تتأتى من مصدرين رئيسيين:

  1. زيادة الأجور
  2. ارتفاع أسعار المواد الأولية.

بشكل عام يحدث تضخم التكاليف بسبب صدمات العرض السلبية أو ضغط العمال للحصول على أجور مرتفعة، ويقصد بصدمات العرض إما الصدمات التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار مثل ارتفاع أسعار النفط والوقود، أو الصدمات التي تصيب الناتج الأمثل مثل حصول كوارث طبيعية.

إن ارتفاع تكليف الإنتاج (الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط مثلا) تؤدي إلى تراجع المعروض من السلع والخدمات وبالتالي انتقال منحنى العرض الكلي إلى اليسار على المدى القصير وهذا يؤدي إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار.

أما ارتفاع الأجور فيحدث لأسباب مختلفة، فقد يحدث بصورة منتظمة نتيجة لوجود نقابات العمال قوية تطالب دائماً بزيادات الأجور. وقد يحدث الارتفاع في الأجور نتيجة لارتفاع مستويات الأسعار ومن ثم ترتفع تكاليف المعيشة فيطالب العمال برفع أجورهم للمحافظة على أجورهم الحقيقية وهكذا يغذي التضخم نفسه بنفسه (التضخم الحلزوني).

يوضح الشكل البياني الآلية التي يحدث بها التضخم بجذب الكلفة، والتي تبدأ بحدوث صدمة عرض تؤدي إلى انخفاض في الناتج وارتفاع في المستوى العام للأسعار.

وهنا لا بد من التمييز بين صدمة عرض لمرة واحدة كارتفاع سعر النفط على سبيل المثال عن حالة وجود ضغوط مستمرة على تكاليف كما في حالة مطالبة نقابات العمال برفع الأجور، أو في حالة وجود الشركات الاحتكارية التي ترفع أسعارها باستمرار للحفاظ على مستوى أرباحهم الحقيقية، أو لتغطية الارتفاع في سعر الفائدة كمصدر للتمويل.

السبب وراء هذا التمييز هو أن صدمة عرض واحدة سوف تؤدي إلى حركة وحيدة في منحنى العرض الكلي، وهذا يعني أن الأسعار سوف تنتقل إلى مستوى توازني جديد وتضخم دفع التكلفة في هذه الحالة سوف يكون ظاهرة مؤقتة بعكس ما إذا كانت الضغوط على التكاليف مستمرة.

ومن الجدير بالذكر هنا أنه متى بدأ التضخم بالارتفاع بمعدلات كبيرة فإن محاولة التمييز بين التضخم الناجم عن جذب الطلب أو عن دفع التكاليف قد يبدو غير مجدي، لأنه غالبا ما تترافق حالات ارتفاع الأسعار الناجمة عن زيادة الطلب بارتفاع تكاليف الإنتاج وبالأخص الأجور وتبدأ حلقة التضخم الحلزوني التي يصعب إيقافها دون اتباع سياسات اقتصادية كلية تشددية. 

أسباب التضخم الاقتصادي وتفسيرات النظريات الاقتصادية للظاهرة
التضخم الناتج عن دفع التكالبف

وبذلك نكون قد أوجزنا أسباب التضخم الاقتصادي وفقاً لوجهات النظر المختلفة للنظريات الاقتصادية والتي تعمل على تفسير هذه الظاهرة بهدف تحديد أثارها ووضع الحلول لمعالجتها.

المراجع:

  • محمد عزت غزلان, اقتصاديات النقود والمصارف, جامعتي الاسكندرية وبيروت العربية, دار النهضة العربية,2002.
  • رمزي زكي, التضخم في العالم العربي,بحوث ومناقشات اجتماع خبراء عقد بالكويت,1986
  • يمنى شعيب, دور السياسة النقدية في علاج ظاهرة التضخم في الاقتصاد السوري, جامعة دمشق,2009.

[hurrytimer id=”11459″]

3 thoughts on “أسباب التضخم الاقتصادي وتفسيرات النظريات الاقتصادية للظاهرة

Comments are closed.