اثار التضخم الاقتصادي ومعالجته

اثار التضخم الاقتصادي ومعالجته

الاقتصاد والمال

يعتبر هدف التصدي للتضخم الاقتصادي من أهم الأهداف التي تسعى المصارف المركزية إلى تحقيقها، حيث يعتبر التضخم العدو الأول للاقتصاد لما له من اثار سلبية على الاقتصاد الأمر الذي يتطلب معرفة اثار التضخم الاقتصادي ومعالجته، بما يضمن تحقيق هذا الهدف المنشود من قبل المصارف المركزية.

ما هي اثار التضخم الاقتصادي ومعالجته:

أ- اثار التضخم الاقتصادي:

1- اثار التضخم الاقتصادي بخصوص إعادة توزيع الدخل:

يؤدي التضخم لإعادة توزيع الدخل بين الأفراد لصالح أصحاب الثروات على حساب أصحاب الدخول الثابتة وأصحاب الأجور وكأنها ضريبة جائرة تقتطع من دخول فئات وتُعطى لفئات أخرى.

ويتم ذلك عند استفادة أصحاب الدخول من ارتفاع قيمة أصولهم بسبب ارتفاع المستوى العام للأسعار دون القيام بأي جهد بينما تتراجع القيمة الحقيقية لأصحاب الدخول الثابتة والأجور.

ويظهر هذا بشكل واضح في فترات التضخم الجامح، وهذا من شأنه تعميق حدة التفاوت الطبقي في المجتمع مما يهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلد، حيث تظهر اثار التضخم الاقتصادي وتبدو الحاجة جلياً لمعالجته.

2- اثار التضخم الاقتصادي بخصوص سيادة عدم اليقين:

يعمل التضخم على تشويه الأسعار وعدم القدرة على فهم مؤشرات الأسعار مما يؤدي إلى حالة من الفوضى نتيجة عدم قدرة المشاركين في السوق على معرفة المعلومات التي تقدمها الأسعار.

فوجود معدلات تضخم تؤدي لحالة من عدم اليقين على المدى الطويل، فيجعل كل من الأفراد والمؤسسات يركزون بشكل رئيسي في استثماراتهم وإنفاقهم على المدى القصير لعدم القدرة على توقع مؤشرات الأسعار بالمستقبل، وبالتالي التخطيط على أساس تلك الأسعار وهذا ما ينطبق على الحكومات بشكل مماثل في مسائل هامة مثل عوائد الضرائب والإنفاق الجاري والاستثماري ومقدار الدعم الحكومي.

3- اثار التضخم الاقتصادي على الكفاءة الاقتصادية:

يؤدي التضخم لتشويه عملية استخدام النقود، فالعملة ماهي إلا وديعة جاهزة لا تحمل سعر فائدة أسمي.

 ففي حالة ارتفاع معدل التضخم من صفر إلى 15% سنوياً مثلاً يهبط سعر الفائدة الحقيقي على العملة من صفر إلى  -15% بحيث لا يمكن تصحيح هذا الفقدان في قيمة النقود وكنتيجة لسعر الفائدة الحقيقي السلبي على النقود يقوم الأفراد بتوجيه مواردهم إلى اقتناء أصول عينية تجنباً لفقدان قيمتها، كسلوك مشابه للمضاربة.

وبالتالي تنهك الموارد الحقيقية للتكيف مع مقياس نقدي متغير بدلاً من توجيها لاستثمارات منتجة، وكذلك بالنسبة للمنتجين تظهر إيرادات المنشآت أعلى من حقيقتها.

وقد يؤدي ذلك إلى قيام المنشآت باستثمارات غير منتجة وبالتالي إساءة توزيع الموارد وذلك بسبب عدم قدرة السوق على نقل المعلومات بشكل صحيح نتيجة الخلل الذي يلحق بمؤشرات الأسعار.

أما بالنسبة للمستهلكين فإنهم سيميلون إلى شراء السلع والخدمات التي يتوقعون ارتفاع أسعارها وهذا ما يدفع المنتجين إلى توجيه مواردهم نحو إنتاج هذه السلع على الرغم من عدم وجود ضرورة لإنتاجها وهذا يؤدي إلى تعميق سوء تخصيص الموارد. اقرأ أيضا معنى التضخم الاقتصادي

4- اثار التضخم الاقتصادي على كل من المقرضون والمقترضون:

تختلف الموجودات والمطاليب التي بحوزة الأفراد أو المترتبة عليها والتي تُنشئ الأثر التوزيعي للتضخم، فعندما يكون التضخم غير متوقع فإن أسعار الفائدة ستكون غير محددة بشكل مناسب سواء بالارتفاع أو بالانخفاض.

وعليه فإن سعر الفائدة المحدد سوف لن يتضمن علاوة فقدان النقود لقيمتها وسيكون سعر الفائدة الحقيقي أعلى أو أدنى مما يجب أن يكون عليه، وبالتالي فإنه في الحالات التي لا يتطابق فيها معدل التضخم المتوقع مع معدل التضخم الفعلي فلا بد من وجود أطراف رابحة أو خاسرة حسب اتجاه الانحراف في توقعات التضخم.

آثار التضخم الاقتصادي ومعالجته
اثار التضخم الاقتصادي ومعالجته

وأفضل تعبير عن هذه الحالة ما قاله كينز في هذا المجال:

“عندما يشرع التضخم في الظهور وتتذبذب القيمة الحقيقية للنقود بصورة حادة من شهر لأخر، تنتاب العلاقة المستديمة بين الدائن والمدين التي تشكل الأساس النهائي للرأسمالية حالة من الاختلال الشديد إلى أن تصبح بلا معنى تقريبا وتضمحل عملية جني الثروة لتبدو وكأنها مسألة حظ أو صدفة

5- اثار التضخم الاقتصادي على السياسة المالية للدولة:

تراجع فائض الموازنة أو تفاقم العجز وذلك بسبب تأثر الإنفاق الحكومي بطريقتين:

الأولى: عندما تضطر الحكومة للدفع أكثر مقابل مشترياتها، الأمر الذي يتطلب قدرا أكبر من الإيرادات لسد هذه الالتزامات.

الثانية: أنه يزيد من الضغط العام على الحكومة من أجل تأمين النفقات الاجتماعية سواء الصحي أو الاجتماعي، وخاصة فيما يخص زيادة الرواتب التقاعدية لمجاراة الأعباء الناجمة عن التضخم.

6- اثار التضخم الاقتصادي على النظام الضريبي:

إن تطبيق نظام ضريبي غير مرتبط بشكل كامل بأرقام قياسية بحيث يتم تحديد معدلات الضرائب على أساس أسمي وليس حقيقي، سيؤدي إلى تشوه النظام الضريبي خاصة في حال لم تكن الفئة الضريبية وخاصة الأجور مرتبطة بشكل تام بمعدل التضخم.

وبالتالي فإن أي زيادة في الأسعار أو الأجور في ظل نظام ضريبي تصاعدي على الأجور ستدفع دافعي الضرائب إلى شرائح أعلى، مما يزيد من العبء الضريبي الحقيقي عليهم.

مما سبق يبدو جلياً اثار التضخم الاقتصادي على مختلف النواحي الاقتصادية والمالية والاجتماعية الأمر الذي يتطلب إيجاد الحلول المناسبة لمعالجته.

ب- معالجة التضخم الاقتصادي:

إن معالجة التضخم الاقتصادي تتطلب فهم دقيق للظاهرة، وتحديد أسبابها وبيان اثار التضخم الاقتصادي للوصول إلى آليات معالجته.

وإن عملية المعالجة تأخذ عدة أشكال منها النقدية ومنها المالية وفقاً لأدوات كل منها. اقرأ أيضاً أسباب التضخم الاقتصادي وتفسيرات النظريات الاقتصادية للظاهرة

أدوات السياسة النقدية لمعالجة التضخم الاقتصادي

 1- أدوات الرقابة الفنية غير المباشرة على التضخم

إن دور الأدوات الكمية في ضبط التضخم تبرز من خلال إمكانية تحقيق السياسة النقدية لأهدافها في رفع معدل الاستثمار والادخار ورفع معدلاتها بالنسبة للدخل القومي في الاقتصاد.

سياسة سعر الصرف:

  في أثناء التضخم يرفع البنك المركزي سعر الفائدة لترتفع تكلفة حصول البنوك التجارية على القروض من البنك المركزي، وهذا يؤدي بدوره إلى ارتفاع تكلفة حصول الأفراد على النقد والاقتراض من البنوك.

وبذلك يكون البنك المركزي قد أدى دوره في الرقابة على الائتمان والتأثير على حجم الإنفاق الكلي إلا أن سياسة سعر البنك قد لا تحقق النتائج المرجوة في اقتصاديات الدول النامية، وذلك لضعف الجهاز المالي والمصرفي وتخلف أسواق الخصم والائتمان.

بالإضافة لعدم مرونة الطلب على الائتمان حيث تمتلك البنوك الخاصة فيها فوائض كبيرة، فلا تجد هذه المصارف نفسها مجبرة على طلب قروض من البنك المركزي، وبالتالي فإن أثر سياسة سعر الصرف على السياسة الائتمانية للبنوك التجارية محدودة.

سياسة الاحتياطي القانوني

وهي وسيلة فعالة لتنظيم حجم الائتمان وملائمة للسوق المالية الضيقة وغير المنتظمة    حيث تتجلى فعالية نسبة الاحتياطي القانوني في أوقات التضخم أكثر منها في أوقات الكساد.

ففي حالة التضخم فإن رفع نسبة الاحتياطي القانوني يقيد من مقدرة البنوك التجارية على زيادة حجم الائتمان والودائع، ونتائج هذه السياسة غير مؤكدة في كثير من الأحيان خاصة إذا كانت السيولة عالية في المصارف.

سياسة السوق المفتوحة:

وهي وسيلة فعالة يقوم بها البنك المركزي للرقابة على حجم الاحتياطات النقدية للبنوك التجارية، وبالتالي الرقابة على حجم الائتمان وكميات النقد المتداول.

فحين دخول البنك المركزي الأسواق المحلية مشترياً أو بائعاً فإنه بذلك يتحكم في قيمة وحجم الأوراق المالية والسندات الحكومية مما يؤهله إلى معالجة ظاهرة التضخم والانكماش باستخدام سياسة السوق المفتوحة عن طريق تأثيرها في سعر الفائدة في الأسواق المحلية.

ذلك أن ارتفاع سعر الفائدة يخفض من حجم الاستثمارات الجديدة ويخفض بدوره من الإنفاق الكلي أي الطلب الفعلي.

سياسة الحد الأقصى لسعر الفائدة:

وذلك بفرض حد أقصى لسعر الفائدة المضمون من قبل البنوك التجارية على الودائع لديها فالبنوك التجارية قد تغالي في رفع أرباحها بحصولها على فوائد مرتفعة من تشغيل بعض أصولها.

 الأمر الذي يدفعها إلى رفع الفائدة الممنوحة لزيادة التراكم في ودائعها، وهنا ولضبط حركة السياسة الائتمانية المتوازنة يفرض البنك المركزي حد أقصى للفائدة الممنوحة للودائع لا يجوز تجاوزها فيرتفع ذلك الحد في أوقات الكساد وينخفض في أوقات التضخم طبقا لضغوط الإنفاق الكلية. وللاطلاع على مزيد من طرق معالجة التضخم من هنا

2- أدوات الرقابة الفنية المباشرة على التضخم

 إن القيام برقابة انتقائية على النشاط الإنتاجي في الاقتصاديات النامية يستند إلى مبدأ التأثير في سير الائتمان وعرض النقد نحو اتجاهات معينة ومرغوبة للنمو الاقتصادي، كتوجيه فائض النقد نحو المشروعات الاستثمارية الأكثر إدرارا ً للمنافع الاجتماعية.

ولقد استخدمت هذه الوسائل في الولايات المتحدة الأمريكية كإجراءات قصيرة مضادة للتضخم، إلا أن بعضها يهدف إلى تحقيق أغراض بعيدة المدى في النمو الاقتصادي، خاصة في البلدان النامية.         

أدوات الرقابة الكمية المباشرة:

  • فرض أسعار إعادة الخصم الانتقائية.
  • المتطلبات الانتقائية للاحتياطي النقدي القانوني للبنوك التجارية.
  • وضع حدود عليا انتقائية للاستثمار النقدي لإجبار البنوك على توسيع الائتمان لقطاعات معينة.
  • وضع أسعار فائدة قصوى على بعض القروض، تشجيعا لنوع معين منه.

 3- أدوات تكميلية

ليتدخل البنك المركزي في تبيان شروط وكيفية استخدام الائتمان، أي بيان الكيفية التي يجب على البنوك التجارية منح الائتمان بموجبها وبعبارة أدق الرقابة الكمية المباشرة تتضمن عرض الائتمان، ومن أهم الأدوات نذكر:

  • هوامش الضمان المطلوب.
  • مراقبة الائتمان الاستهلاكي، أي البيع بالتقسيط.
  • الرقابة على الائتمان العقاري.

أدوات السلطة المالية لمعالجة التضخم الاقتصادي:

1- الرقابة الضريبية:

تسيطر فكرة الرقابة الضريبية على أهم بنود نظرية الضريبة كجزء من سياسات المالية العامة في التّحكّم بعوامل الإنفاق العام، وكواحدة من المتغيّرات التي تستخدم معها سياسة الميزانية في الرّقابة على التضخّم والكساد.

بحيث تشكّل سياسة الرّقابة الضّريبية دعامة كبرى من دعائم سياسة الميزانية في مواجهة التقلّبات الاقتصادية، والسيطرة على حركات الضّغوط التضخمية في الاقتصاد القومي تحقيقاً للاستقرار والنمو المتوازن في الاقتصاديات النّامية.

ففي حالة قصور الإنفاق الخاص تقتضي سياسة الرّقابة الضّريبية بزيادة الإنفاق العام بخفض معدّلات الضريبة على الأرباح بهدف رفع معدّلات الإنفاق الاستثماري، أو على الاستهلاك بهدف رفع معدّلات الإنفاق الاستهلاكي، وذلك لترك الدّخول النّقدية بيد الأفراد لاستخدامها في تحفيز الطّلب الفعلي من الاستهلاك والاستثمار.

ويحدث العكس في حالة جموح الإنفاق الخاص، وقد تقتضي ديناميكية الرّقابة الضّريبية في التخفيض من جموح الإنفاق العام ضرورة ربط السياسة الضريبية الموضوعة بعمليات التخطيط والحساب الدقيق لعوامل الدّخل والإنفاق القومي، لضمان تحقيق التعادل ما بين الإنفاق الكلي المتوقّع، وقيمة الناتج الكلي المتوقع بعيداً عن التضخّم والانكماش.

ويمكننا سرد بعض القيود التي تتعرض لها سياسة الرقابة الضريبية:

  • القيـود الإحصـائية
  • محدوديـة فعـالية سيـاسة الرقـابة الضريبيـة
  • ارتفـاع التكلفة الضريبية قد يضعف من حوافز الإنتاج الاستهلاكي والاستثماري على حد سواء
  • عـدم مـرونـة الرقـابة الضريبيـة نسبيـا.

2- الرقابة على الدين العام:

إلى جانب الرقابة الضريبية تساهم رقابة الدين العام في إدارة التحويلات المالية، وتوجيه الإنفاق الإنتاجي عن طريق تجميد القوّة الشّرائية الزائدة في الأسواق، واستخدامها في تمويل الميزانية.

وغالباً ما تلجأ السلطات الحكومية إلى عقد القروض، وطرح الأسهم والسّندات للاكتتاب من قبل الجمهور، لوسائل الرقابة المالية الأخرى.

3- الـرقـابـة على الإنفـاق العـام:

تباشر سياسة الميزانية تأثيرها في الرقابة على التضخّم والانكماش من خلال الإنفاق الحكومي، سواء الاستهلاكي أو الاستثماري برفع معدّلاته آو تخفيضها حسب الأحوال الاقتصادية السّائدة.

ونعني بالإنفاق الحكومي المباشر: سياسة الإنفاق الحكومي في إحداث عجز أو فائض في الميزانية، للتحكّم في الضّغوط التضخّمية أو الانكماشية.

ففي حالة الكساد يمكن الاعتماد على سياسة التّوسّع في الإنفاق للتأثير في حجم الإنفاق الخاص، وتعويض الانخفاض الطارئ في مستوياته باستحداث عجز في الميزانية يمول عن طريق الاقتراض أو الإصدار النقدي، ويحدث العكس في حالة التضخم.

وبذلك نجد أن هنالك العديد من الأدوات النقدية والمالية التي يمكن استخدامها كحلول للتضخم الاقتصادي الحاصل، ولا بد من الإشارة إلى ضرورة التنسيق بين كل من السياسة المالية والنقدية في معرض استخدامهما لأدواتهما لضبط التضخم والحد ومعالجة اثار التضخم الاقتصادي الحاصلة والتي تختلف باختلاف هيكلية الاقتصاد الوطني لكل بلد من البلدان.

المراجع:

  • يمنى شعيب. دور السياسة النقدية في علاج ظاهرة التضخم في الاقتصاد السوري. جامعة دمشق,2009.
  • سامويلسون بول نورد هاوس علم الاقتصاد مكتبة لبنان 2006.
  • حساني، عبد الرزاق حوراني، أكرم، النقود والمصارف 2010.
  • أحمد جامع، النظرية الاقتصادية، الجزء 2.
  • غازي حسين عناية. التضخم المالي، مؤسسة شباب الجامعة

2 thoughts on “اثار التضخم الاقتصادي ومعالجته

Comments are closed.