إن السياسات الحديثة تسعى لتحقيق تنمية كبيرة واسعة المجال غير أن الواقع يفرض وجود اختلالات تمس كل ميادين الحياة العملية، ويعتبر التضخم الاقتصادي من أهم هذه الاختلالات التي يعاني منها بلدان العالم كله خاصة في الوقت الراهن، على الرغم من التركيز والاهتمام بدراسة هذه الطاهرة من قبل الاقتصاديين خاصة بعد الحرب العالمية الثانية.
معنى التضخم الاقتصادي:
أجرت العديد من المدارس الاقتصادية أبحاثًا حول التضخم الاقتصادي نظرًا لتأثيره على العديد من جوانب الحياة للناس في المجتمع..
وقد تم عرض عديد التعاريف التي تحاول أن توضح مفهوم التضخم الاقتصادي، حيث ذهب بعضهم إلى اعتبار “التضخم بالمعنى الاقتصادي هو ضعف القوة الشرائية للعملة”
في حين يرى بعضهم الآخر أنه ” حركة صاعدة للأسعار تتصف بالاستمرار الذاتي الناتج عن فائض الطلب الزائد عن قدرة العرض ” وبالتالي فإنهم يرون أن التضخم الاقتصادي يعني ارتفاع مستمر في أسعار السلع والخدمات.
ومع الدراسات المعمقة لظاهرة التضخم الاقتصادي ظهرت عديد المقاييس التي تهدف إلى قياس حجم التضخم الاقتصادي في أي بلد، وبالتالي قياس معدل ارتفاع المستوى العام للأسعار من خلال استخدام أساليب إحصائية رياضية كالأرقام القياسية، فضلاً عن غيرها من المؤشرات والمقاييس التي تهدف إلى تحديد معدل التضخم الاقتصادي في البلد المدروس. ولمعرفة المزيد يمكنكم قراءة معنى التضخم الاقتصادي
أسباب التضخم الاقتصادي وتفسيرات النظريات الاقتصادية للظاهرة:
في الواقع يوجد تباين عميق في تحديد الأسباب التي تؤدي إلى هذه الظاهرة، وتعتبر النظرية الكمية في النقود من أولى النظريات التي حاولت معرفة أسباب التضخم والآلية التي تحدد المستوى العام للأسعار والتقلبات التي تحدث على هذا المستوى.
ولاحقاً لذلك ظهر الفكر الكينزي الذي يرى أن النقد وسيلة للتداول، وعليه فإن أسباب التضخم تعود أساساً إلى كمية النقود المعروضة لتحقيق المبادلات السلعية. وبالتالي في التحليل الكينزي استند إلى التقلبات التي تحدث في العرض الكلي من ناحية، وبين الطلب الكلي (المكون من الاستهلاك والاستثمار والانفاق الحكومي) من ناحية أخرى.
وليس ببعيد من الزمن قام مجموعة كبيرة من الاقتصاديين بإعادة تبني النظرية الكمية للنقود باعتبارها دليلاً نظرياً لتفسير أسباب التضخم.
أشهرهم ميلتون فريدمان وأنصار مدرسة شيكاغو، حيث أعادوا صياغة النظرية النقدية من جديد، وقد راجت أفكار هؤلاء الاقتصاديين في السبعينات واكتسبت مزيداً من الأنصار الذين يعرفون باسم النقديين.
أما المدرسة الهيكلية فقد كان لها رأس مخالف يستند إلى الخلل بين كل من الطلب والعرض الكليين والاختلال الهيكلي في بناء الاقتصاد في كل دولة.
مع الإشارة إلى تحليل التضخم يمكن أن يتم إما باستخدام النموذج النقدي أو النموذج الحقيقي. لاكتشاف مزيد من المعلومات اقرأ أسباب التضخم الاقتصادي وتفسيرات النظريات الاقتصادية للظاهرة
اثار التضخم الاقتصادي ومعالجته:
يعتبر هدف التصدي للتضخم الاقتصادي من أهم الأهداف التي تسعى المصارف المركزية إلى تحقيقها، حيث يعتبر التضخم العدو الأول للاقتصاد لما له من اثار سلبية على الاقتصاد الأمر الذي يتطلب معرفة اثار التضخم الاقتصادي ومعالجته، بما يضمن تحقيق هذا الهدف المنشود من قبل المصارف المركزية.
تظهر آثار التضخم بعدة أوجه، حيث يؤدي الارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات إلى فقدان النقود لجزء من قوتها الشرائية، مما يؤدي إلى إضعاف الثقة بالعملة الوطنية.
الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الميل إلى الانفاق والاستهلاك خوفاً من عدم القدرة على شراء نفس الكمية من السلع والخدمات بعد فترة وجيزة من الوقت، وبالتالي يحتفظ الأفراد بدخولهم على شكل سلع بدلاً من النقود نتيجة فقد الثقة بهذه العملة.
وهو ما يشكل أثر على طبيعة الادخار لدى الأفراد، كما تبدو آثار التضخم الاقتصادي على المستوى الكلي من خلال خلق الاختلال في ميزان المدفوعات، وكذلك في التوزيع العادل للدخل القومي نتيجة إعادة توزيع الثروة لصالح الأغنياء والمدينين، فضلاً عن أثار التضخم على هيكل الإنتاج الوطني.
وإن عملية المعالجة تأخذ عدة أشكال منها النقدية ومنها المالية وفقاً لأدوات كل منها. لمزيد من المعرفة حول الموضوع اقرأ اثار التضخم الاقتصادي ومعالجته
استهداف التضخم الاقتصادي كأحد استراتيجيات السياسة النقدية:
يعتبر استهداف التضخم أحد استراتيجيات السياسة النقدية الحديثة نسبياً، وكانت بداية ظهور هذا الاتجاه بعد انهيار نظام بريتون ودوز في أوائل السبعينات، حيث أدى ذلك إلى جعل أسعار الصرف غير فعالة كإستهدافات وسيطة ضمن إدارة السياسة النقدية. للاطلاع على دراسة صندوق النقد الدولي حول التضخم يمكنكم ذلك من هنا.
ومن هنا بدأ يطفو على الملأ توجهات النقديين وأفكارهم في الاستهداف النقدي، إلا أن التناقض الحاصل في أهداف السياسة النقدية نتيجة ذلك من جهة، وضعف الارتباط وتأثير الإستهدفات النقدية على الهدف النهائي المعلن من جهة أخرى، سمح بالانتقال إلى سياسة استهداف التضخم.
حيث تعرف سياسة استهداف التضخم بأنها إطار لانتهاج سياسة نقدية في ظل ظروف مقيدة، حيث تتميز السياسة النقدية خلالها بالإعلان عن هدف رسمي كمي لمعدل التضخم لفترة زمنية واحدة أو أكثر.
حيث أدت الأزمات المتكررة التي لحقت بالعديد من الدول التي تتبنى لنظم سعر الصرف الثابتة إلى إضعاف الثقة في أطار السياسة النقدية المختارة من قبل هذه الدول.
وكذلك الحال بالنسبة للدول التي تبنت نظام استهداف المعروض النقدي ككندا، وفي هذه الأثناء بدأت الأنظار تتجه نحو إطار السياسة النقدية المعروف باسم “استهداف معدل التضخم” كأحد أهم التطورات الحديثة في مجال عمل البنوك المركزية والأنظمة النقدية في العالم.
حيث برزت في هذه الأثناء عديد الأسباب الداعية إلى تبني استراتيجية استهداف التضخم.
مع التأكيد على أن نجاح استراتيجية استهداف التضخم يستند بشكل رئيس على تصميم هدف التضخم الذي يعتمده المصرف المركزي بشكل دقيق ومتقن.
حيث يمكن تقسيم الاستراتيجيات المتبعة في استهداف التضخم إلى ثلاثة أقسام رئيسة (كاملة، انتقائية، مخففة). للتعرف على تفاصيل استهداف التضخم كإحدى استراتيجيات السياسة النقدية يمكنكم ذلك من هنا
من خلال ما سبق نستطيع القول بأننا حاولنا الإحاطة بمختلف جوانب ظاهرة التضخم الاقتصادي بما يضمن الفهم الدقيق لهذه الظاهرة، ومعرفة أسبابها وتفسير النظريات الاقتصادية المختلفة للتضخم الاقتصادي، فضلاً عن أثاره وآليات معالجته، وصولاً إلى توضيح مفهوم استراتيجية استهداف التضخم التي تتبنها عديد البنوك المركزية حول العالم.
وختاماً فإن التضخم الاقتصادي موضوع ذا تشعبات كثيرة ويحتاج إلى أبحاث معمقة للغوص في مضامين هذه الظاهرة، بهدف توفير الإمكانيات اللازمة لضبطها وعدم الوصول إلى آثارها المدمرة على مختلف الجوانب في أي بلد.